مقالات

سامي دفع الله : ( لماذا حميدتي ؟ )

الخرطوم  : ون كليك نيوز

 

 

 

سامي دفع الله يكتب    ( لماذا حميدتي؟ )

 

قد يبدو السؤال بسيطا في ظاهره لكنه في جوهره اعقد من مجرد استغراب سياسي فليس من المألوف ان تربط الدول نفسها بشخصيات مثيرة للجدل غامضة الاصل ثقيلة الاتهامات ومحاطة بهالة من الغموض مثل محمد حمدان دقلو حميدتي فما الذي يجعل الانظمة والدول تضع اوراقها في سلة رجل لا يعرف على وجه الدقة هل هو مشروع سياسي ام اداة مرحلية ام مجرد واجهة لتوازنات اكبر.

الجواب ببساطة لان خلف الرجل مشروع اكبر منه مشروع لا يرى في السودان سوى البوابة الاخيرة لمنطقة الساحل الافريقي ذلك الحزام الممتد بعرض القارة من المحيط الاطلسي حتى البحر الاحمر والمليء بالثروات الطبيعية والطاقات الكامنة من النفط والغاز الى اليورانيوم والذهب ومن المراعي الخصبة الى المنافذ الحيوية نحو اسواق العالم من يسيطر على هذا الحزام يملك مفاتيح القارة السمراء ومن يمسك بالسودان يملك مفتاح الباب الشرقي للساحل باكمله.

هنا تتضح الصورة ليست المسألة في حميدتي كشخص بل في الدور الذي يمكن ان يؤديه كأداة بشرية لمشروع جيوسياسي ضخم يتقاطع فيه المال بالنفوذ والقبيلة بالمصالح والتاريخ بالخرائط الجديدة فالقوى الصاعدة في المنطقة تواجه عقبتين اساسيتين ضعف العنصر البشري القادر على الانتشار والقتال وانعدام القوة النظامية التي تفرض السيطرة الفعلية وهنا يأتي دور حميدتي بقدرته على تجنيد مئات الآلاف من عرب الشتات الممتدين من موريتانيا الى السودان الذين حرمهم التقسيم الاستعماري من اطار جامع فيجدون في مشروعه فرصة للعودة الى مركز الفعل بعد قرن من التهميش.

ان السودان في هذه المعادلة ليس هو الهدف النهائي بل الارض التي تبنى عليها اللوحة الجديدة موقعه بين البحر الاحمر ومنابع النيل واتصاله الجغرافي بليبيا والقرن الافريقي يجعل منه عقدة الربط الكبرى بين منابع الطاقة والموانئ وبين الداخل الافريقي والبحار المفتوحة ولهذا يصبح التحكم في قراره السياسي والسيادي اداة ضغط استراتيجية على القوى الاقليمية الكبرى التي تعتمد على استقراره كممر او كحائط صد.

وفي المستقبل المنظور لن تكون قوات حميدتي مجرد مليشيا محلية بل نواة لمشروع اكبر فيالق افريقية عابرة للحدود تستخدم لتأمين مشاريع البنى التحتية وخطوط النفط والمناجم والمزارع وحتى الموانئ في البحر الاحمر والجزر القريبة هنا تتحول الجغرافيا الى سلعة والبشر الى ادوات والسيادة الى تفاهمات مؤقتة.

لكن المشكلة ليست في الطموح فكل دولة او حتى مجموعة مصالح من حقها ان تطمح الاشكال في ان هذا الطموح يسير بمنطق الذي لا يربح الا اذا نزف غيره وهنا يصبح المشهد مزيجا من الجشع والدهاء والمفارقة ان من كان يفترض بهم حماية منطقتهم هم اول من ترك فراغا اتاح هذا الاختراق.

اما من يختزل الصراع في السودان بانه خلاف بين جنرالين او تنافس على السلطة بين العسكر والمدنيين فهو لم يقرأ المشهد اصلا فالقصة اكبر من معركة كراسي واعمق من نزاع نفوذ انها اعادة رسم لحدود القوة بادوات جديدة وباسماء قد لا تملك تاريخا لكنها تملك الجرأة على استغلال غياب الآخرين.

اللوم الحقيقي لا يقع على من استغل الفرصة بل على من تركها تضيع على القوى الاقليمية التي انشغلت بخلافاتها الصغيرة حتى وجدت نفسها محاصرة من كل الجهات حين يغيب الكبار عن الساحة فمن الطبيعي ان يملأها المهرجون والمرتزقة وهكذا يصبح حميدتي بكل بساطة نتيجة طبيعية لغياب الدولة وفراغ الارادة وضياع البوصلة هو ليس سبب الخراب بل احد اعراضه والمفارقة الساخرة ان الجميع يتحدث عنه وكأنه العاصفة بينما هو في الحقيقة مجرد غبارها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إنضم الآن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى