
الخرطوم : ون كليك نيوز
كتب بدرالدين الباشا : ( الرياضة في زمن الحرب….بين صمود الفاشر وقرار تجميد النشاط الرياضي)
تعرضتُ خلال الأيام الماضية لسيلٍ من الانتقادات والسخرية، ظنّ بعضهم أن سقوط مدينة الفاشر لا يعنيني.
لكن الحقيقة التي يعلمها كل من يعرفني أن الحزن الذي اعتراني كان عميقا ومؤلما، لأن سقوط الفاشر ليس حدثا عابرا، بل جرح في وجدان الوطن بأكمله.
فأكثر من عامين والمدينة صامدة تحت الحصار، تواجه الهجمات يوما بعد يوم، وتكتب قصة بطولة نادرة جعلت منها أسطورة في التاريخ الحديث.
الحرب أصبحت واقعا نعيشه جميعا، فرضت علينا قسرا، لكن رغم قسوتها ظلت الحركة الرياضية السودانية تبذل جهدا خارقا لتسيير نشاطها في أصعب الظروف.
وما حققته الأندية السودانية من استمرار وتنظيم منافسات في ظل الحرب يُعد تجسيدا للعبقرية الإدارية والإصرار الوطني، لأن الرياضة ليست ترفا، بل روح حياة تُبقي المجتمع متماسكا في مواجهة الانهيار.
لذلك، كان قرار والي ولاية نهر النيل بتجميد النشاط الرياضي مفاجئا وصادما.
القرار لم يُحدد سقفا زمنيا لعودة النشاط، وكأنما الرياضة يمكن أن تنتظر انتهاء الحرب لتتنفس من جديد!
فإذا استمرت الحرب — لا قدر الله — فهل سيستمر التجميد أيضا؟
التاريخ يعلمنا أن الشعوب التي تمر بالحروب والأزمات تجد في الرياضة متنفسا وعنوانا للأمل.
خلال الحرب العراقية الإيرانية، ورغم اشتداد القتال، لم يتوقف النشاط الرياضي في العراق، وتأهل المنتخب العراقي إلى نهائيات كأس العالم بالمكسيك عام 1986، في ذروة تلك الحرب الطويلة.
وفي زمن اضطرابات ما بعد سقوط نظام صدام حسين، تُوّج العراق بكأس آسيا عام 2007 في قطر، ليبرهن للعالم أن الرياضة قادرة على توحيد أمة جريحة.
إن قرار والي ولاية نهر النيل يعني فعليا حرمان أندية الولاية من المشاركة في منافسات كأس السودان، والدوري العام، والتأهيلي، وهو ما يُعد ضربة موجعة للرياضيين الذين صمدوا وواصلوا العمل رغم كل الصعوبات.
وهنا يبرز سؤال مشروع:
هل يتوافق هذا القرار مع أهلية وديمقراطية الحركة الرياضية في السودان؟
وهل ينسجم مع توجيهات الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي يؤكد بوضوح على ضرورة استقلالية الاتحادات الوطنية ورفض أي تدخل حكومي في الشؤون الفنية والإدارية للرياضة؟
إن مثل هذه القرارات، حتى وإن كانت بحسن نية، قد تُضعف موقف السودان أمام المنظمات الدولية، وتفتح الباب أمام العقوبات أو التجميد من قبل الفيفا، التي لطالما تعاملت بحزم مع أي تدخل من السلطات التنفيذية في شؤون اللعبة.
في المقابل، تواصل العديد من ولايات السودان الآمنة نشاطها الرياضي، مثل شمال كردفان (الأبيض)، البحر الأحمر، الولاية الشمالية، الجزيرة، النيل الأزرق، كسلا، القضارف، سنار، والنيل الأبيض، في تأكيد واضح على أن الرياضة يمكن أن تستمر حتى في أحلك الظروف متى ما وجدت الرؤية والإرادة.
الرياضة ليست لهوا ولا ترفا، بل هي قيمة إنسانية ووطنية، وساحة للتماسك النفسي والاجتماعي في زمن الانقسام.
ولهذا، فإن قرار تجميد النشاط الرياضي لا يخدم المصلحة العامة، بل يُضعف الروح التي نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى.



